قدر قاس حتّم عليه التعايش مع وضع لا مناص للخلاص منه، مرض عضال أصابه في ربيع عمره، انقلب إلى إعاقة مزمنة أحالته مبكرا إلى كرسي متحرك، انطلقت رحلة الألم منذ صباه، وشكلت إصابته بفيروس خبيث منذ سن الثامنة لحظة فارقة قلبت مسار حياته، لكنها لم تكدّر صفوها.

محمد أمين بن يوسف

إنه الإنسان الذي أصر ألا يعيقه هذا القدر والا يثنيه عن المضي قدما في درب التألق، امتطى صهوة التحدي، وأطلق العنان لرغبة جامحة في كسر حواجز الألم واليأس، متسلحا بحب كبير للحياة والكد والمعرفة والشغف بمهنة المحاماة. إنه الأستاذ أمين بن يوسف، محام شاب، يشار إليه بالبنان ويعتبر واحدا من أمهر المحامين في أروقة المحاكم ببلادنا، يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين سنة فقط، وبالرغم من أنه من ذوي الاحتياجات الخصوصية، فهو رمز من رموز التحدي دون مبالغة... مرض غريب ومستعص لحق أعصابه، حاول التخلص منه، فأكدت له الطواقم الطبية التي أشرفت عليه أنه على مشارف الهلاك لا محالة، وأن المنية ستوافيه في حيز لا يتجاوز الستة أشهر. انتظر "الطفل أمين بن يوسف" وعائلته حدث الوفاة، لكنه لم يأت، بل كانت الإعاقة المزمنة مآله الأزلي، ليبقى "الأستاذ" رهين كرسي متحرك. تحدث إلينا الأستاذ أمين بن يوسف في وقار أهل المحاماة وفي فصاحة رجالات القانون، فقال:"عندما أدركت أن علي التعايش مع قدري استقبلت الأمر برحابة صدر، شغفي بالعلم كان أقوى من الصعوبات بكثير، تحصلت سنة 1999 على شهادة الباكالوريا شعبة رياضيات بامتياز من معهد المنزه السادس، وهو ما كان لي حافزا معنويا هاما أعطاني جوانح حلقت بها في أرجاء الحياة الجامعية الفسيحة. تحصل محدّثنا على الإجازة في القانون الخاص من كلية العلوم القانونية بأريانة، ومن ثم الماجستير في قانون الأعمال دفعة 2005، يقول إنه تتويج أثّر في شخصه أيّما تأثير، لأنه أحس حينها أنه لم أكن يوما حاملا لإعاقة، وأن العلم هو الفيصل الحقيقي بين الشخص المعوق والشخص السليم. سألته دون حرج : وكيف لشخص من ذوي الاحتياجات الخصوصية أن يمخر عباب الحياة الحياة الجامعية، ثم يكون من المتميزين؟ هل لك أن تدلنا على الوصفة الناجعة ؟ فأجاب "لم يكن بمقدوري، نظرا لظرفي الصحي المضني، أن أزاول تعليمي العالي بشكل طبيعي، لكن الله منّ علي بأم تجاوز عطفها حدود الوصف، لقد كانت النبراس الذي أضاء الجسور أمامي، وكانت رفيقة دربي في حياتي الدراسية من صغري، والجوائز التي نلتها هي أوسمة توشّح صدرها الدافئ. وأردف قائلا" شرعت منذ حصولي على الماجستير سنة 2005 في ممارسة مهنة المحاماة، كمحام متمرّن(متربص) لمدة ثلاث سنوات، ليقع ترسيمي في الاستئناف، ثم أمكن لي فتح مكتب خاص، وبالتوازي، فأنا حاليا بصدد إنهاء أطروحة دكتوراه في القانون الدولي الخاص". لكن، لمّا كان التنقل بين أروقة المحاكم، يتطلب هو الآخر مجهودا بدنيا، فقد وجد "الماتر" يد المساعدة في شخص والده الذي أحاط ابنه برعاية شاملة، حتى بات ظله الذي لا يفارقه. "والدي الذي أحيل على التقاعد هو رفيقي الذي يكل ولا يهدأ له بال وهو الذي أدين له بنجاحي في مسيرتي المهنية، مثلما الأمر لوالدتي في حياتي الجامعية" وعن مهنة المحاماة والولع بها، أكد لنا الأستاذ أمين بن يوسف أن القدر اختار له المضي في المهنة التي تعكس واقعه، فبات يعشقها إلى حد النخاع:" إن مهمتي كمحام هي أن أكون لسان حال المُستضعفين، وأن أسعى لرفع غشاوة الظلم عن عين المجتمع، ووضعي الخاص يحتّم عليّ أن أبذل مجهودات مضنية ومضاعفة للوصول إلى هذه الأهداف" أمين بن يوسف، هذا الشاب التونسي الذي شارف على ملامسة الإعجاز، هو رمز للتحدي بلغة الامتياز، استقبل قدره القاسي بابتسامة طفل بريء، وطوّعه إلى واقع وردي جميل تعامل معه في ما بعد بطموح الشاب اليافع، إن قصة الأستاذ أمين بن يوسف هي، دون مبالغة، درس للشبان الذين التصق الخمول والتواكل بأذهانهم. أنهيت مقابلة "الماتر"على عبارات لا تزال ترنّ في أذني "كل ما أطلبه من الناس هو عدم النظرة إلى الشخص المعوق بعين الرحمة والشفقة، فكلمة "مسكين" هي السكين الحاد الذي يمزّق الأوصال، أرجو أن تتم معاملتنا بالمثل، فنقول للمحسن منّا أحسنت، وأن نحاسب المخطئ، لو تتم معاملتنا ككل البشر، فسنكون لكم، يا معشر الأسوياء، من الشاكرين"..

وزارة شؤون الشباب و الرياضة

إتصل بنا

+ الهاتف: 216.71.841.433

فاكس:216.71.800.267

+ البريد الألكتروني :عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.